الأربعاء، 19 نوفمبر 2008

عن التفاؤل



جالسا أمام مكتبي المزدحم بكل ما هو يزحم , تناولت المظروف وفتحته بأيد مرتعشة من الإثارة , وأخرجت الخطاب.... أخيرا وصل رد الفيلسوف , هذا الرد الذي انتظرته طويلا من فيلسوفي المحبوب , الذي طالما أفادني في أمور التفلسف

........لم أتصور أن يأخذ كل هذا الوقت حتى يجيب عن تساؤلي الأخير.

كنت قد اكتفيت به معلما منذ بدأت في تعاطي الفلسفة , ما أن أرسل له خطابا بتساؤل ما , حتى أجد الإجابة قد وصلت.....

أتعلم ما هو السؤال الأخير الذي تأخرت الإجابة عنه كل هذه المدة...لقد أرسلت إليه قائلا : لي صديق يقول عن نفسه انه متفائل , فسألته ماذا يعني بهذه الكلمة , فلم يستطع الرد.. يقول انه قرأها في كتاب قديم وجده في قبو بيت ما.

فهل تستطيع سيدي الرئيس , الروحاني النفيس , أن ترسل لي حديثا حول معني هذه الكلمة ؟

ارتفعت دقات قلبي كعادتي كلما أعرف من أمور الحكمة شيئا لم أكن اعرفه .. ها هو الخطاب .. وها أنا ذا أبدأ في قراءته

(( أتعبتنا يا مريد في هذا السؤال , وبلوتنا به شر البلوى بسوء الحال , فقد أحط بي من الحزن ما كنت قد سلوته من ذكري هذا اللفظ المحال..

اعلم أن التفاؤل لفظه قديمة قدم الزمن , فعندما رأي آدم حواء , فانه قد تفاءل بها خيرا , بصرف النظر عما قيل بعد ذلك من أنه قال لها يوم خروجه من الجنة : كان يوم اسود يوم ما شفتك.

واستمر التفاؤل بالأشياء عهدا طويلا , وكان يسمي فألا , حتى أتي الإسلام بكراهيته للفأل خوفا من اعتقاد الناس بقدرة الأشياء علي تغيير القدر الذي هو بيد الله وحده , فكان التطور الطبيعي بعد حرمانية التفاؤل بالأشياء , أن يتفاءل الناس بدون أشياء (بدون سبب) .. كأن يقول الواحد من دول أنا متفائل وبس , لكن ماقتنع به الحكماء من القديم , أن التفاؤل كالضحك , أي أن التفاؤل بدون سبب قلة أدب ..

وطبعا لأننا في الوطن العربي ناس مؤدبين جدا , فانه قد تم تحريم التفاؤل تحريما كليا علي المواطن العربي , وعلي النقيض هناك الغرب حيث تنتشر قلة الأدب (والحاجات دي) , وعلي ذلك فالمواطن الغربي هو مواطن متفائل ما لم يثبت العكس. لكن طبعا نحن في زمن مش قد كده والناس لم يعودوا مؤدبين زي زمان , ولذلك قد تسمح بين الحين والآخر , من يقول بأنه متفائل.

لكن علم النفس دائما يأتي بالجديد فكما أنه يقول أن المجرمين ليسو مجرمين , بل هم مرضي نفسيين , نجده هنا أيضا يقول أن المتفائل العربي ليس قليل الأدب , بل هو مريض نفسي يحتاج للعلاج , وأصبح التفاؤل من العلامات المرضية الأساسية لتشخيص حالات العصاب والذهان في الوطن العربي.

كما يجب أن نبتعد عن ربط هذا المرض النفسي , أو مظهر قلة الأدب هذا المسمي بالتفاؤل بالألوان , حيث انتشر في الآونة الأخيرة من يدعي بأن طلبة الطب يجب أن يوصفوا بالتفاؤل لأنهم يلبسون بالطو أبيض!! , ناقص يقولوا أن فريق الزمالك فريق متفائل!!

علي أن الدنيا لازالت بخير , إذ أن أغلب وجوه الناس في (الوطن العربي)

لا تنطق أبدا بالتفاؤل , وهذا يظهر جليا إذا سرت في الشارع متأملا وجوه الناس , كآبة إيه وحزن إيه , وحواجب مدلدلة ووشوش مكرمشة , قمة في الأدب والاحترام . ولا تتعدى نسبة الضاحكين أو المبتسمين في وطننا الحبيب نسبة المرضي النفسيين في أي دولة أوروبية , كما أثبتت آخر التقارير .

وفي النهاية قل لصديقك أن (المتفائل) لغويا لا تسعها لغة واحدة , فهي تتكون من شطرين من لغتين منفصلتين , الأول (متفا) : ومصدرها متف بالعربية , والشطر الآخر (ئل) : ومصدرها ill بالإنجليزية , وتعني مرض , أي أنه المرض الذي إذا أصبت به في الوطن العربي فإن الناس سوف يتفون عليك ..

عسي أن يهديه الله ويخرج من رأسه هذه الخزعبلات

تمت وبالخير عمت

هناك تعليق واحد:

kholioo يقول...

ايوة كده بحب انا جدا اسلوب الكتابة ده وانت عارف كده كويس يا ريتت تكتر منه عاوز مواضيع تانية في ترجمة الكلمات بالطريقة الفلسفية المعاصرة